فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وَنَزَعْنَا} وأخرجنا وأذهبنا {مَا فِي صُدُورِهِم} قلوبهم {مِّنْ غِلٍّ} وحقد وعداوة كان من بعضهم على بعض في الدنيا فجعلناهم إخوانًا على سرر متقابلين لا يحسد بعضهم بعض على شيء خص الله به بعضهم وفضلهم به، روى الحسن بن عليّ رضي الله عنه قال: فينا والله أهل البيت نزلت {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47].
وقال عليّ كرّم الله وجهه أيضًا: إنّي لارجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم} الآية.
وقال السدي: في هذه الآية: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنّة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأُخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يتسخوا بعدها أبدًا.
وروى الجزائري عن أبي نضرة قال: تحتبس أهل الجنّة حتّى تقتص بعضهم من بعض حتى يدخلوا الجنّة حين يدخلونها، ولا يطلب أحد منهم أحدًا علاقة ظفر ظلمها إياه وتحبس أهل النار دون النار حتّى تقتص لبعضهم من بعض يدخلون النار حين يدخلونها، ولا يطلب أحد منهم أحدًا بعلاقة ظفر ظلمها أياه {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} وفقنا وأرشدنا إلى هذا يعني طريق الجنّة وقال سفيان الثوري: معناه الحمد لله الذي هدانا لعمل هذا ثوابه {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أهل النار يرى منزلة مَنْ بالجنّة فيقولون: لو هدانا الله نكون [من المؤمنين] وكل أهل الجنّة ترى منزلة من بالنار ويقولون: لولا أنّه هدانا الله فهذا شكرهم قال: وليس [هناك] من كافر ولا مؤمن إلاّ وله في الجنّة أو النار منزل [فإذا] دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار فدخلوا منازلهم رفعت الجنّة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله، ثمّ يقال: يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقسم بين أهل الجنّة منازلهم، ونودوا أن صحوا ولا تسقموا وأخلدوا فلا تموتوا وأنعموا ولا تيأسوا وشبّوا فلا تهرموا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم منْ غِلٍّ...} فيه أربعة أوجه:
أحدها: الأهواء والبدع، قاله سهل بن عبد الله.
والثاني: التباغض والتحاسد.
والثالث: الحقد.
والرابع: نزع من نفوسهم أن يتمنوا ما لغيرهم. وفي نزعه وجهان:
أحدهما: أن الله نزع ذلك من صدورهم بلطفه.
والثاني: ان ما هداهم إليه من الإيمان هو الذي نزعه من صدورهم.
وفي هذا الغل قولان:
أحدهما: أنه غل الجاهلية، قاله الحسن.
والثاني: أنهم لا يتعادون ولا يتحاقدون بعد الإيمان، وقد روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}.
وقيل: إنها نزلت في أهل بدر.
ويحتمل قوله: {وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذا} وجهين:
أحدهما: هدانا لنزع من صدورنا.
والثاني: هدانا لثبوت الإيمان في قلوبنا حتى نزع الغل من صدورنا.
وفيه وجه ثالث: قال جويبر: هدانا لمجاوزة الصراط ودخول الجنة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ}
هذا إخبار من الله عز وجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد، وذلك أن صاحب الغل متعذب به ولا عذاب في الجنة، وورد في الحديث «الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين».
قال القاضي أبو محمد: ومعنى هذا الحديث إذا حمل على حقيقته، أن الله عز وجل يخلق جوهرًا يجعله حيث يرى كمبارك الإبل، لأن الغل عرض لا يقول بنفسه، وإن قيل إن هذه استعارة وعبر عن سقوطه عن نفوسهم فهذه الألفاظ على جهة التمثيل كما تقول فلان إذا دخل على الأمير ترك نخوته بالباب ملقاة فله وجه، والأول أصوب وأجرى مع الشرع في أشياء كثيرة، مثل قوله يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش فيذبح وغير ذلك، وروى الحسن عن علي بن أبي طالب قال: فينا والله أهل بدر نزلت {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين} [الحجر: 47] وروي عنه أيضًا أنه قال: فينا والله نزلت {ونزعنا ما في صدورهم من غل}، وذكر قتادة: أن عليًا قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم {ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو المعنى الصحيح، فإن الآية عامة في أهل الجنة، والغل الحقد والإحنة الخفية في النفس وجمعه غلال ومنه الغلول أخذ في خفاء ومنه الانغلال في الشيء، ومنه المغل بالأمانة، ومنه قول علقمة بن عبدة:
سلاءة كعصا الهندي غل لها ** ذو فيئة من نوى قران معجوم

وقوله: {من تحتهم الأنهار} بين لأن ما كان لاطئًا بالأرض فهو تحت ما كان منتصبًا آخذًا في سماء، و{هدانا} بمعنى أرشدنا، والإشاره بهذا تتجه أن تكون إلى الإيمان والأعمال الصالحة المؤدية إلى القرآن، وقرأ ابن عامر وحده {ما كنا لنهتدي} بسقوط الواو من قوله: {وما كنا}، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، قال أبو علي: وجه سقوط الواو أن الكلام متصل مرتبط بما قبله، ولما رأوا تصديق ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى وعاينوا إنجاز المواعيد قالوا: {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} فقضوا بأن ذلك حق قضاه من يحس وكانوا في الدنيا يقضون بأن ذلك حق قضاه من يستدل {ونودوا} أي قيل لهم بصياح، وهذا النداء، من قبل الله عز وجل، و{أن} يحتمل أن تكون مفسرة لمعنى النداء بمعنى أي، ويحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة وفيها ضمير مستتر تقديره أنه تلكم الجنة، ونحو هذا قول الأعشى: [البسيط]
في فتية كسيوف الهند قد علموا ** أن هالك كل من يحفى وينتعل

تقديره أنه هالك، ومنه قول الآخر: [الوافر]
أكاشره ويعلم أنْ كلانا ** على ما ساء صاحبه حريصُ

و{تلكم الجنة} ابتداء وصفة و{أورثتموها} الخبر و{تلكم} إشارة فيها غيبة فإما لأنهم كانوا وعدوا بها في الدنيا فالإشارة إلى تلك، أي تلكم هذه الجنة، وحذفت هذه، وإما قبل أن يدخلوها وإما بعد الدخول وهم مجتمعون في موضع منها، فكل غائب عن منزله، وقوله: {بما كنتم تعملون} لا على طريق وجوب ذلك على الله، لكن بقرينة رحمته وتغمده، والأعمال أمارة من الله وطريق إلى قوة الرجاء، ودخول الجنة إنما هو بمجرد رحمة الله تعالى، والقسم فيها على قدر العمل، وأورثتم مشيرة إلى الأقسام، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر {أورثتموها} وكذلك الزخرف، وقرأ أبو عمر وحمزة والكسائي {أورتموها} بإدغام الثاء في التاء وكذلك في الزخرف. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ}
فيمن عني بهذه الآية أربعة أقوال:
أحدها: أهل بدر.
روى الحسن عن علي رضي الله عنه أنه قال: فينا والله أهل بدر نزلت: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
وروى عمرو بن الشريد عن عليٍّ أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا، وعثمان، وطلحة، والزبير، من الذين قال الله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
والثاني: أنهم أهل الأحقاد من أهل الجاهلية حين أسلموا.
روى كثير النَّوَّاء عن أبي جعفر قال: نزلت هذه الآية في علي، وأبي بكر، وعمر، قلت لأبي جعفر: فأي غل هو؟ قال: غل الجاهلية، كان بين بني هاشم وبني تيم وبني عدي في الجاهلية شيء، فلما أسلم هؤلاء، تحابوا، فأخذتْ أبا بكر الخاصرةُ، فجعل عليٌّ يسخِّن يده ويكمِّد بها خاصرة أبي بكر، فنزلت هذه الآية.
والثالث: أنهم عشرة من الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود، قاله أبو صالح.
والرابع: أنها في صفة أهل الجنة إذا دخلوها.
روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه تعالى وسلم أنه قال: «يخلُصُ المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، حتى إذا هُذِّبوا ونُقّوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا» وقال ابن عباس: أول ما يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، تعرض لهم عينان فيشربون من إحدى العينين، فيُذهب الله ما في قلوبهم من غلٍّ وغيره مما كان في الدنيا، ثم يدخلون إلى العين الأخرى، فيغتسلون منها فتُشرق ألوانهم، وتصفو وجوههم، وتجري عليهم نضرة النعيم.
فأما النزع: فهو قلع الشيء من مكانه.
والغل: الحقد الكامن في الصدر.
وقال ابن قتيبة: الغل: الحسد والعداوة.
قوله تعالى: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} قال الزجاج: معناه: هدانا لِما صيّرنا إلى هذا.
قال ابن عباس: يعنون ما وصلوا إليه من رضوان الله وكرامته.
وروى عاصم بن ضمرة عن علي كرم الله وجهه قال: تستقبلهم الولدان كأنهم لؤلؤ منثور، فيطوفون بهم كاطافتهم بالحميم جاء من الغيبة، ويبشرونهم بما أعدَّ الله لهم، ويذهبون إلى أزواجهم فيبشِّرونهنَّ، فيستخفهنَّ الفرح، فيقمن على أُسْكُفَّةِ الباب، فيقلن: أنت رأيته، أنت رأيته؟ قال: فيجيء إلى منزله فينظر في أساسه، فإذا صخر من لؤلؤ، ثم يرفع بصره، فلولا أن الله ذلَّله لذهب بصره، ثم ينظر أسفل من ذلك، فإذا هو بالسُّرر الموضونة، والفرش المرفوعة، والزرابي المبثوثة، فعند ذلك قالوا: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} كلهم قرأ {وما كنَّا} باثبات الواو، غير ابن عامر، فانه قرأ: {ما كنا لنهتديَ} بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام.
قال أبو علي: وجه الاستغناء عن الواو، أن القصة ملتبسة بما قبلها، فأغنى التباسها به عن حرف العطف، ومثله: {رابعهم كلبهم} [الكهف: 22].
قوله تعالى: {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} هذا قول أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا.
{ونودوا أن تلك الجنة} قال الزجاج: إنما قال: {تلكم} لأنهم وعدوا بها في الدنيا، فكأنه قيل لهم: هذه تلكم التي وُعدتم بها.
وجائز أن يكون هذا قيل لهم حين عاينوها قبل دخولهم إليها.
قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: {أورثْتُموها} غير مدغمة.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {أورتمُّوها} مدغمة، وكذلك قرؤوا في [الزخرف: 72] قال أبو علي: من ترك الادغام، فلتباين مخرج الحرفين، ومن أدغم، فلأن التاء والثاء مهموستان متقاربتان، وفي معنى {أورثتموها} أربعة أقوال:
أحدها: ما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد إلا وله منزل في الجنةومنزل في النار، فأما الكافر فانه يرث المؤمنَ منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة» فذلك قوله: {أورثتموها بما كنتم تعملون} وقال بعضهم لما سمي الكفار أمواتًا بقوله: {أمواتٌ غير أحياء} [النحل: 21].
وسمى المؤمنين أحياءً بقوله: {لتنذر من كان حيًا} [يس: 70] أورث الأحياء الموتى.
والثاني: أنهم أورثوها عن الأعمال، لأنها جُعلت جزاءً لأعمالهم، وثوابًا عليها، إذ هي عواقبها، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
والثالث: أن دخول الجنة برحمة الله، واقتسامَ الدرجات بالأعمال، فلما كان يفسَّر نيلها لا عن عوض، سميت ميراثًا.
والميراث: ما أخذته عن غير عوض.
والرابع: أن معنى الميراث هاهنا: أن أمرهم يؤول إليها كما يؤول الميراث إلى الوارث. اهـ.